سر الحبق
في يدي وريقة من نبتة
الحبق، أتنشقها وأسرح بذاكرتي الملعونة بعيدا...إلى ترسبات قديمة جعلتها الرائحة
اللطيفة تطفو إلى السطح بعدما جاهدت في حبسها عميقا داخل أسوار حديقتي السرية.
نبتة الحبق كسرت باب الحديقة وأطلت علي من شرفات السياج الحديدي السميك الذي أقمته
بيني وبين الماضي. نبتة ضعيفة أعادت إحياء الوقائع وترتيبها لتمر سريعا كشريط من
الصور ينضح حياة ورائح وألوان وكلمات وأحاسيس.
في ذلك اليوم البعيد من
طفولتي كان الاحتفال بالحبق يأخذ طابعا بهيجا...على سطح المنزل القديم المطل على
أسوار المدينة، وضريح القادم من الشرق ببركات الدين والدولة، كانت العائلة
والجيران يجتمعون لتقسيم حصص الشتائل الدقيقة القادمة من خارج أسوار المدينة، تعبأ
الجهود وتحضر أصص الطين العميقة لتوضع فيها أجنة النبتة الفواحة، تسقى قطرات من
مياه لتعود إليها بعد لحظات حلاوة الروح وتتحول صفرتها الشاحبة إلى اخضرار
متورد...وينطلق العبق الساحر في كل اتجاه. تنتهي عملية الإحياء تلك ليتم الاحتفال
بكؤوس الشاي الأخضر المعد بزهر الليمون ووريقات الحبق المأخوذة من شجيرات السنة
الماضية التي أينعت وصارت قادرة على رد الجميل لمن منحها الحياة في وقت ضعفها.
تقليد تكرر لسنوات قبل أن أغادر البيت، ويظل عبق الحبق ذاك ساكنا في أنفي وحلقي.
الماضي ليس كله شر...وحديقتي الخلفية علي أن أمنحها بعض اهتمام علها تزهر حبقا
وسوسنا وليمونا ولم لا حبا؟